من واجب كافة الجهات المعنية في سوريا أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بمنع إزهاق روح الفتاة راميا منذر. إنّ السّكوت عن جرائم الشرف والإبقاء على الأحكام الّتي تجعل من جريمة الشرف كالسرقة .. هو بمثابة القبول والمشاركة في هذه الجرائم!
فيما يلي اقتباس من موقع نساء سوريا بقلم المحامي الأستاذ بسام القاضي ..
على الحكومة أن تتخذ قرارها فوراً:
أن تحمي حياة المواطنة راميا منذر، أو أن تكون شريكة في “جريمة شرف”!
بسام القاضي: موقع نساء سورية
ليس في العنوان أية مبالغة. فالصبية راميا منذر قاب لحظات من سكين الذبح، وفق تصريحات معلنة من شقيقها. وهي إحدى الصبيتين اللتين كنا قد أشرنا إلى قضيتهما في افتتاحية سابقة. ومنذ ذلك اليوم نقوم بكل ما في إمكانياتنا المتواضعة لتأمين حل معقول لإنقاذ حياة الفتاتين، في ظل تجاهل الحكومة التام لهذا الموضوع، وهو التجاهل الذي دأبت عليه في كل ما يتعلق بـ”جرائم الشرف” مما يعني موافقة عملية عليها وتواطئا مع القتلة بهذه الذريعة الباطلة.
خلال الأسبوع الماضي حدثت تطورات كبيرة في الموضوع. فبينما تم زواج إحدى الفتاتين إلى الشاب الذي تحبه وتريده، وتم إخلاء سبيلها بناء على ذلك، ورحلت مع زوجها إلى مكان إقامتهما الجديد، بقيت الفتاة الثانية قيد التوقيف. وبعد أن أسقط أهلها ادعاءهما بالسرقة عنها، صار من الواجب إطلاق سراحها قانونا.
ورغم تصريحات الأخ التي لا لبس فيها بأنه سيقتلها “غسلا للعار” متجاهلا تقرير الطبابة الشرعية أن الفتاة عذراء! ورغم القاعدة المعروفة في المنطقة بأن مصير الفتاة هو الذبح، إلا أن القرار الأولي كان هو إخلاء سبيلها عبر تسليمها مباشرة إلى أهلها. تسليمها مباشرة إلى الذبح!
وكسابقة لا بد من الإشارة إليها والإشادة بها، تحرك عدد كبير من أبناء وبنات المحافظة في محاولة لضمان حياة الفتاة، تحركاً ينم حقيقة عن عمق أصالة أخلاق الناس وتقديسهم لحق الحياة. وفي هذا الإطار تحركت الأستاذة المحامية غادة العبدالله، السيدة التي تعرف أن جوهر القانون وعدالته هو حماية الناس لا تسليمهم للقتل، المرأة التي تعرف أن تسليم الفتاة إلى الذبح في بلد يدعي أنه يقوم على المواطنة، لا على “مواطنة الذكور القتلة”، هو أمر مخالف للقانون، ومخالف لحقوق الإنسان، ومخالف لأي شريعة سامية سماوية كانت أو أرضية، هذه المحامية الرائعة استنفرت كل إمكانياتها رغم الصعوبات الجمة والأخطار التي واجهتها، ونذرت طاقتها لحماية الصبية راميا منذر التي تبلغ من العمر (19) سنة، أي أنه من حق المواطنة راميا أن يطلق سراحها دون أن تسلم إلى أهلها.
وكذلك، لم يتوان محامون رائعون من نقابة المحامين في السويداء، على رأسهم المحامي الأستاذ جمال هنيدي عن التدخل ومطالبة القضاء بحماية حياة راميا، والدفع باتجاه نقلها إلى مكان آمن في جمعية خارج المحافظة تحفظ لها حياتها ريثما تستطيع تأمين وضعها بشكل ملائم.
إلا أن القاضي المسؤول عن القضية، السيد سمحي السبع، وقع في مأزق لا يحسد عليه. فمن جهة هناك الأسرة المحملة بعادات بالية، وجزء من المجتمع المحلي يضغط عليه بشدة لتسليمها إلى أهلها ليتم ذبحها وفق ما يصرح به شقيقها، رغم معارضة والدها لذلك. ومن جهة ثانية لا تسمح له أخلاقه العالية ولا مكانته كحام وضامن لحياة المواطنين والمواطنات أولا، ثم كقائم على تحقيق روح العدالة في مجتمع هو دولة وليس قبائل وعشائر، بأن يسلمها إلى حيث يعرف تمام المعرفة أن كل الضمانات ليست سوى حبر على ورق، وان مصيرها هو فقط: الذبح. ونتج عن ذلك تردده الشديد في القرار الذي يجب عليه أن يتخذه.
وقد فكر القاضي بتسليم الفتاة إلى أحد الشيوخ المحترمين في السويداء. إلا أن الشيخ المعني كان قد صرح بوضوح أنه ينوي تسليمها لأهلها بناء على تطمينات من الأهل بعدم تعرضها للأذى. وإننا إذ نشير إلى خطورة هذه الخطوة، نؤكد أن جل ما ارتكب من جرائم باسم “الشرف”، تخللت سياق استدراج الفتاة تطمينات من هذا النوع. بل في بعض الحالات، كما في حالة الصبية زهرة عزو، كانت التطمينات هي عبارة عن تعهد خطي لدى جهة قضائية. لكن ذلك لم يمنعهم من قتلها بعيد خروجها بقليل.
إن حياة المواطنة السورية راميا منذر هي على بعد ساعات فقط من سكين الذبح. وهذا أمر لا يمكن لأحد السكوت عليه إلا إذا كانت متواطئا كليا مع القتل. ولذلك فإننا هنا إذ نناشد القاضي أن يكون كما يجب أن يكون القضاة، قدوة في المواطنة وفي حماية حق الإنسان في الحياة وفي محاكمة عادلة، وأن يقوم بدوره الوظيفي والقيمي والاجتماعي والأخلاقي بإطلاق سراح الصبية راميا وتسليمها إلى إحدى الجمعيات أو الجهات القادرة على حمايتها فعليا، وتأمين حماية نظامية لنقلها (عبر تأمين دورية شرطة مرافقة) إلى مكان آمن، وهو مضمون الطلب الذي تقدمت به الفتاة نفسها إلى السيد القاضي، ويجب عليه وفق القانون أن يأخذ طلبها بالحسبان ما دامت هي قد بلغت سن الرشد قانونا، إذا كنا نناشده ذلك، فإنه لا بد لنا من القول أن تسليم راميا لأسرتها يعني مسؤولية القاضي التامة عن ما ستتعرض له. فهو لا يستطيع أن ينفي معرفته بتهديدات الأهل، ولا بالسياق العام الذي يجعل من تسليمها لأهلها هو تسليم لها إلى الموت.
كذلك، فإنه لا بد لنا من الإشارة إلى الشيوخ المحترمون في السويداء الذين سبق لهم أن رفضوا بصراحة الادعاء أن الدين يدعم هذا القتل. ها نحن نضعكم الآن أمام مسؤولياتكم. هذه المرأة مهددة بالقتل علنا باسم “غسل العار”. ونحن نثق حقا أنكم لم تدلوا بآرائكم تلك لا بناء على قناعاتكم الحقيقية. الآن هو وقت لكم لتتخذوا قرارا واضحا وصريحا لا لبس فيه. الآن هو الوقت الصحيح لحموا هذه المرأة المواطنة وتعلنوا بكل صراحة أن المسّ بها هو جريمة في نظر الدين.
وكذلك، نناشد جميع الأفراد والجمعيات والمنظمات التي تحمل شعارت متعلقة بحقوق الإنسان، أو حقوق المرأة، أو المستقبل الأفضل أو التقدمي أو الإنساني.. أن يطلقوا صوتهم الآن عاليا لحماية المرأة المواطنة راميا منذر. إن كل الكلام الذي يقال في الجلسات وفي الندوات وفي البيانات وعلى مواقع الانترنت على المحك الآن. إن التخلي أو الصمت عما يجري الآن هو تواطئ صريح ضد حياة مواطنة سورية. إن كل تلك الشعارات تقف الآن قيد شعرة من أن تكون حقيقية صادرة عن أناس يهتمون حقا، أم أناس ما زالوا يعدون المرأة السورية كائنا أدنى من مواطن!
وبشكل خاص، وصريح تماما، إننا نحمل الحكومة السورية كاملة، وخاصة السيد رئيس مجلس الوزراء بصفته رئيسا لهذه الحكومة، والسيد وزير العدل بصفته المعني مباشرة بالعدالة القانونية في سورية، والسيد وزير الداخلية بصفته المعني مباشرة بالحفاظ على حياة المواطنين، نحملهم جميعا المسؤولية الكاملة عن حياة المواطنة السورية راميا منذر، سواء نجم ذلك عن تسليمها لأهلها، أو لأي جهة أخرى غير آمنة. فهم الآن على علم تام بالخطر المحدق بحياتها، وهم كانوا على علم بها أصلا بشكل أو بآخر. إن لدى الحكومة السورية كل القدرة على حماية حق المواطنة راميا بالحياة، وكذلك على إيقاف حمام الدم الجاري في سورية تحت هذا المسمى العار “جرائم الشرف”.
وأخيرا، لا بد لنا من الإشارة الخاصة لما قامت وتقوم به السيدة ريما فليحان، عضوة فريق عمل نساء سورية، إذ وقفت منذ اللحظة الأولى التي سمعت بها قصة الصبيتين، بكل طاقتها إلى جانب حق المواطنتين في الحياة والأمن والحرية. وقد بذلت من الجهود ما يصعب وصفه حقا. إذ لم تدخر علاقة ولا معرفة ولا طريقة ولا إمكانية لتفتح بابا مهما صغر إلا وحاولت فتحه. وهي تعرف، كما يعرف الجميع، أنها ليست وحدها في هذا المضمار، وأن جهودها وعملها يقدره ويحترمه ويدافع عنه الكثير الكثير من الناس على امتداد ناس سورية. وهي تعرف، كما يعرف الجميع أيضا، أن لا هم لها ولا غاية إلا النهوض بالمجتمع الذي ننتمي إليه جميعا، والذي حان الوقت لكي يكشف مشاكله جميعا تحت الشمس ويعالجها معالجات جذرية تقوم على حق المواطنة والإنسان، وهو الحق الذي يجمعنا جميعا في بلد واحد، لا على أية اعتبارات أخرى.